الريح تسطو على الأغاني

ناجح المعموري

نافذة في المنفى / الشاعر صلاح الحمداني

ناجح المعموري

https://ebjed.com/single.php?view=1349

https://iraqiwritersunion.com/1195-.html

التاريخ سرديات مثل الأدب والفلسفة، ومعاً تخضع للتأويل. والمرويات حضور الجماعات ومثلما قال "هومي" بابا السرد مرآة الأمة. والتماثل قائم بين التاريخ والسرد، والتداخل كامن فيما بينهما: ه

الذكرياتُ المطويةُ تحتَ الوسادةِ ه

الأسماءِ

وهذا الصباحُ المكفهرُ المختبئُ خلفَ الغيومِ

ثلاثةُ أشياءَ لم يجرُأُ احدُها أن يبوحَ بسرهِ لأسرابِ الأيامِ المنسيةِ

التي أخذت تقتربُ الآنَ من ضفافِ الروحِ”...  ص 108

 

المرأة حكواتية في الموروث النسوي والذكوري، وهي حافظة التواريخ لأنها التي عطبتها الكوارث / الحروب. ه

الذكريات وقائع وتفاصيل الحياة المعيشة. والتصاعد المدخر به قوة واستعادة، الكائن فيه تراجيديات ضغطت عليها الوسادة، هي في هذا النص مروية المرأة التي كتب فيها صلاح الحمداني كثيراً من النصوص ولم تغادرنا، بل تظل حاضرة تومئ لي أنا المتلقي المتابع، وتعطيني ما هو جديد حضوراً تخيلياً. ويمنحنا السؤال في هذا النص جرأة الدنو أكثر لما نريده من السرد. لأننا بحاجة لهدوء وأمان وسلام، وهذا أمر صعب، ومستبعد. لكن السؤال يضعنا أمام المرآة، ويعطينا الشعر أجوبة مرتعشة، مرتبكة "لماذا الارتباك يا ترى؟" وفي هذا النص اتضاح المرويات على الرغم من قصرها. حتى دخول الموت / الحرب، تقلصت المسافة بين الحياة والاندثار، فالمرويات هي اعادة تحبيك، وتتغذى بأفكار وطروحات "بول ريكور وهايدن وايت". ويذهب المبدع نحو التأريخ بشفافية الشعر كما يفعل صلاح الحمداني، وهو يواجه التاريخ / السرديات باعتبارها مكتوباً معبراً عن الماضي، وهو مدونات ذات حضور كافٍ عن فنيات سردية وتخيلية. ه

إن التاريخ / السرد / الذكريات الشفوية والمدونة / نوع من المحكيات ذات المسعى نحو الحقائق، والوقائع التي يحلم بها المحكي والتخيلي. كما لا بد من الاشارة الى وجود مشترك ــــ وهذا جوهري ـــ يوحد بين السرد والتاريخ. وسأوظف رأياً نقدياً للأستاذ "فاضل ثامر" حول نص صلاح الحمداني، وأقول بأن الشعر احتضن تخيلاً تاريخياً، تم الكشف عنه سريعاً، لا بل عرف به بوضوح وصراحة، وأن التخيل هو المادة التاريخية المتشكلة بواسطة السرد، وانقطعت عن وظيفتها التوثيقية والوصفية، وحازت وظيفة جمالية ورمزية. ه

زاول الشاعر الحمداني نوعاً من مهارات اللعب، في ذكاء التقاط شواهد الحرب، وتأمين حضور قوي ورأسمال عاطفي، مشحون برموز الحرب، ولذا مهارته كامنة، وحدة يلتقط ما يريد الاشارة إليه واكثرها وضوحاً، هي النصوص ذات العلاقة الكبرى مع المرأة، الام التي ترفض الغياب، وهو منحها أنطولوجيا كبرى وهذا النمو والبروز يجعل تخيلات الشعر سرداً يطوي التاريخ وما يدل على طوى التاريخ، هو وجود شهرزاد وخزانتها الوسادة. ه

البلاغة النسوية تشحن الشعر بالمخزون والمعيش، وسط الذاكرة وحضور الام المفجوعة تعيد سردية المغيب وكأنها لحظة حاضرة وتعيش ليلها مثلما تريده هي. تدخر مدونات سرية وتختزنها تحت الوسادة. ووجود الوسادة برمزيتها العظيمة، ذات الشعرية الكبرى والناهضة، قدمت تهدئة للمرأة المفجوعة وزاولت ما اعطاها تدفقاً، لان الوسادة، المشترك الجندري. الذي وظف الوقائع باعتبارها مدونات سردية كما قال "بول ريكور"، تعطيل الزمن والتقاط ما يريده المبدع لإعادة انتاجه سرداً. ه

اللحظة المختارة هي التي تعني الماضي : ه

لماذا الارتباكُ يا ترى؟

كلما فتحتُ الدولابَ العتيقَ

ووقعَ نظري على المعطفِ العسكريِ... ه

المعطفُ الذي صبغتُهُ بالحدادِ قبلَ ثلاثين عاماً

من صعودي قطارَ المنفى... ص 108

الماضي لا يطرد الحضور، الاَن، لأننا إذا ذهبنا هكذا فإننا نعطل إنجاز المستقبل. ه

تستولد الفجائع خسارات عديدة، كثيرة، متكررة وهي على السكة تعيشها المنكوبة. وان يوقف قطار الحرب قليلاً استعادته ممكنة، لأن متروكة المحفوظة هي التعويض عن العزيز الذي غيبته. ه

كلما فتحتُ الدولابَ العتيقَ، ووقعَ نظري على المعطفِ العسكريَ... ه

رمز دال على الزوج / أو كل اللذين عانوا بالحرب، وأيضاً على الذي ظل حياً وتحول المعطف وبوضوح تام الى تاريخ كونته وقائع واحداث وانكسارات وخسارات وكل هذه السرديات كونت تحبيباً قوياً لمآسي الحرب قبل ثلاثين عاماً من تمكنه الهروب والذهاب نحو المنفى. ه

الوقائع محكيات، معايشة متجددة. وانا معجب بشاعر فرنسي كبير وفذ ويعجبني استحضاره، وقد كتبت عنه كثيراً، لأني وجدت بتجربته روحاً متمردة، تركض وراء الجغرافياً وهو الذي لعب مع الانثى كثيراً، سأغويها واقودها للصحراء // ه

ايتها المرأة الى متى ؟ أنا لا اعرف الجواب وانتِ صامته، مكتفية بالاتصال السري مع محفوظات ثنائية، بينكما، ه

آه ايها الليل انهض / الذرات تتراقص

وانت تدفع الكلمات على نور اصابعك

التاريخ قوة والعلاقة به مهارة. لا يجيد مزاولتها كل من يختزن بعض ما يريد. الشعر يصطحب الوقائع ويتجول طيعاً والمرأة تعيش استعادة الاشتهاء. ه

ولان اللذائذ جمال الحياة / وطيبات المساءات وخصوصاً المرأة التي عرفتها وتستعيدها ولذا تجدها فالمرويات ممتلئة بالمعنى المعطف رمز للتاريخ وللوقائع، يختصرها ويختزلها، لكنه مقترن بالمغادرة والهروب من الموت، الاعتقال، التعذيب. في هذا النص المفردة قوية مشحونة، مكتفية بما تمنح من معنى، مثال : جواب. المعطف، الوسادة، القطار. وكل مفردة من التي اخترناها نضجت دلالتها الرمزية وشكلت كلها جسداً وروحاً، اكتظت به الملفوظات وغذى بعضها بعضاً، ولم تترك الذاكرة السردية جوهر العمود الفقري للرمز ( المعطف ) مستكيناً، بل جعله ماثلاً، معلقاً وراء باب الدولاب الخشبي. ه

ووظف صلاح الحمداني مفردة المعطف ومنحه ذكورة مارست فعل الاتصال غير المرئي [ما يزال المعطفُ معلقاً خلفَ بابِ الدولابِ]. ه

العلاقة السيمائية الكبرى المذكرة بالغائب، والتي تضع الارملة في وجع وحنين لمزاولة ما يستعيد المختزن في الذاكرة، والمدونة بأوراق مطوية تحت الوسادة. ه

ه"المعطفُ تُبعثُ منهُ رائحةُ الترابِ الموشومةُ بالمطرِ والقصائدِ المهربةِ

ما زالت الذكرياتُ مطويةً تحت الوسادةِ

والصباحُ مكفهر وما زالتُ أتساءلُ : ه

ايّ من الاشياءِ الثلاثةِ ستعلنُ انهزامَها قبلَ الأخرى ؟ / الدولاب / المعطف العسكري / الوسادة / كلها صاغت تاريخ المرارات والفجائع. والمرأة هي الخسارة كلها. ه

الاشياء الثلاثة منهزمة، مندحرة لكنها ستظل في التاريخ والسلم هو الحتم الذي يعلن فوزه. والصباح سيرتدي المعطف، ومع الراوي ستظل الذكرى باقية وتكبر وتكون اكبر من الشيخوخة. ه

ان التواريخ تأخذ شكل السرديات، فالطرق التي يتم فيها تصوير الاحداث الموصوفة، وربطها وجعلها منطقية معرضة للاستفسار النقدي : فلا يجب ان نقرأ التواريخ بوصفها علامات لا لبس فيها ولا غموض للأطراف التي يرويها، بل بوصفها بنى رمزية واستعارات موسعة تقوم بتشبيه الاحداث المذكورة بها بشكل معين / فاضل ثامر / التاريخي والسردي في الرواية العربية / ص3 / دار النديم / دار الروافد / 2017// ه

ولابد من إعادة القول الذي اكد حضوره عبر العلاقة مع الأسطورة إنها قائمة والشعر لا يقوى بعيداً عنها. الأسطورة هي حياة الشعر والنبض الراعش فيه والشاعر صلاح الحمداني مبتكر للأساطير وما يقوله لا يبتعد عن ذلك. ه

كتب "رامبو : آه لقد اكتست عظامنا جسداً جديداً من الحب". ومع ذلك لا نستطيع الجزم بأن رامبو كان هو المبشر بالمشاعر العاطفية التي تتحدث عنها الاخلاقيون. اذ يقول الفكر الرومانسي، "أن الحب يشتمل على شيء ما يؤدي بنا الى الموت". ه